الثلاثاء, مايو 21
Banner

“تنصيبات” المصارف على الـ Macroscale والـ Microscale أيضاً

سمير قسطنطين – النهار

لا أبرِّئ المصارِف ممّا حصل. كانت شريكاً ل#مصرف لبنان ومسؤولي الدولة في الإنهيار. طمعَت ال#مصارف بالفوائد غير المنطقيّة لسندات الخزينة، وأغرَت النّاس في المقابل بالفوائد العالية بتشجيعٍ من مصرف لبنان، فحَوَّلَ الناس-الضّحايا أموالَهم من الدّولار إلى اللّيرة. وقَعَ الجميع في الفخ. المصارف كانت تُدرِك مفهوماً في عالم الإقتصاد يقول: The higher the rate of return on investment, the higher the risk، أي أنّ كلَّما كان العائد على الإستثمار أعلى، كلّما كانت المخاطِر أعلى. هي طَمعَتْ وأوقعت الناس في شَرَكِ طمعِها. كان ذلك على الـ Macroscale الّذي لا حول لنا فيه ولا قوّة.

أكملت المصارِفُ مكيدة الإيقاع بالناس. طبعاً هناك “أوادم” في الإدارة العُليا لمصرف هنا أو مصرفٍ هناك، لكنّي أقول هذا الكلام بشكلٍ عام. كيفَ “نَصّبَتْ” المصارف على الـ Microscale؟

“التّنصيبة” الأولى تتمثّل في منعِ المصارف مؤسّسةً تملك حساباتٍ لديها، من تحويل معاشات الموظّفين من إيداعات المؤسّسة ما لم تُودِع هذه الأخيرة الكمّية ذاتها بالليرة اللّبنانية وcash. مصرفُ لبنان لم يُصدِر تعميماً حول هذا الشّأن. هذه “زعرنة” المصارِف ونقطة على السطر. المؤسّسات والأفراد فهموا منذُ زمنٍ أنَّ ودائعهم بالدّولار تبخَّرَت، لكن أن يقتصرَ التّعامُل بين المصارف والمودعين بالّليرة اللّبنانية على الـ fresh money، فليس من كلامٍ كافٍ لتوصيف ما تفعلُه البنوك الّتي ائتمنها النّاس على مدخّراتهم. قد تقولُ لي إنَّ مصرف لبنان لا يمدُّها بالسّيولة. هذه ليست مُشكِلةُ المودعين. هذه مُشكلةُ المصارف التي لا يحقُّ لها أن “تزرك” المواطن إلى هذه الدّرجة. هذا الحرام بعينِه. بعض المستشفيات ردّت بعدم تطبيب موظّفي المصارف إلّا بالكاش. وماذا لو توسّعَت دائرة الاحتجاج وتمنَّعَت المدارس عن قبول أقساط أولاد موظّفي المصارف إلّا بالكاش؟ قد تقولُ لي إنّ المدارس والمستشفيات إذا فَعَلتها، فإنّما هي تُجازي موظّفين أبرياء لا ذنبَ لهم. أوافقكَ الرّأي. هذا خطأ جسيم. لكنّي أردتُ القولَ للقيّمين على المصارف إنّكم تنقلون المعركة من ميدان النّاس والفاسدين إلى ميدان النّاس والموظّفين.

“التنصيبةُ” الثّانية هي أنَّكَ غيرُ مخوَّلٍ، إذا قبضتَ شيكاً من صديق أو مؤسّسة باللّيرة اللّبنانيّة، إيداعه في حسابك في مصرفٍ تعاملتَ معه عشرين سنة. الحُجّة هي أنَّكَ ستودِعُ الشّيك لتعودَ وتسحبَ قيمته عبر الـ cash. حتّى لو فعلها المواطن، ما دخلُ المصرف؟ ما تفعلُه بعض المصارف بحقِّ النظامِ المصرفي الحُر، لم يفعله أيُّ محتلٍ.

“التنصيبة الثالثة”. تذهبُ إلى آلة الـ ATM لتسحَبَ مبلغاً باللّيرة اللّبنانيّة. تتجاوب معكَ وتسألك عن كلمة المرور واللّغة والكمّية. تـُجيبُها عن الأسئلة. بعد ثوانٍ يأتيكَ الجواب عبر كلمة error أي أنَّ خطأً ما حصل. ماذا حصل في الحقيقة؟ ما حصل هو أنَّ هذه الآلات مُبرمَجة بشكل يمنعُك من سحبِ ودائعك باللّيرة اللّبنانيّة حتّى من ضمن السّقوف المُتاحة.

قد تقول لي: “المصارف لا تُلام وحدها”. وأنا أُجيبُك: “المصارف شريكةُ السلطة ومصرِفُ لبنان في كلِّ ما حصل”. وإذا أردتُ ألّا أكونَ ظالماً بحقِّ بعض نظيفي الكفِّ وأنقياء السّيرة في العالَمَين المصرفي والسّياسي، أعدِّلُ عبارتي لتكون: “إنَّ قسماً لا يُستهانُ به من المصارِف هو شريكُ قسمٍ لا يُستهان به من السّياسيين ومصرف لبنان في كلِّ التّنصيبات الماليّة الّتي حصلتْ وتحصُل”.

Leave A Reply